دور السينما بين هجر الإهمال وأمل الحفاظ




بالتزامن مع إعادة فتح سينما "خودوجيستفيني"، أول سينما في موسكو وواحدة من أقدم السينما في العالم، في شهر أبريل الماضي، توقفت متسائلة عند قراءتي لهذا الحدث عن وضع دور السينما في مصر.. هل مازالت مصر تحتفظ بأقدم سينماتها؟ هل مازالت تعتز بها كجزء من تراثها وتاريخها الماضي والمعاصر؟، وهذا هو تحديدا ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع الذي أعتبره جزءا من ثقافتنا وهويتنا، ومادة أساسية في تشكيل ذكرياتنا جميعًا. كعادة مصر دائمًا حاضرة بقوة في الصفوف الأولى، وكما هو الحال بالنسبة لصناعة السينما فكانت ثاني دول العالم بعد فرنسا، التي اهتمت بدور السينما، إذ شهدت أول عرض سينمائى فى مصر، فى نوفمبر عام 1896، أى بعد عام واحد فقط من أول عرض فى العالم بباريس، كما أنها شهدت تشييد أول سينما من قبل دار لوميير الفرنسية، التى كانت صاحبة اختراع التصوير السينمائى فى العالم كله. وهي سينما"بلازا" واحدة من أقدم هذه السينمات التى أنشئت قبل أكثر من مائة وعشرين عاما بمصر. فتتميز ادوار العرض السينمائي بكونها جزء من الذاكرة الاجتماعية للمواطنين ومازال بعضها قائم حتى الآن، إلا إن الإهمال تسبب فى إغلاق الكثير منها، وهدم وازاله البعض الآخر ، بداية من سينما بلازا سالفة الذكر قبل سنوات ، وهذه ليست الحالة الوحيدة التي يتم فيها اهمال سينما عريقة بل أن الامر طال سينمات آخرى مثل سينما فريال وفاروق بقنا التي تم هدمها، وسنيما فاتن حمامة التي تعتبر أهم دور السينما في مصر التي طالها نفس المصير، وسينما جومير بالإسماعيلية التي هدمت وحل محلها مقاهي، حتى سينما أولمبيا أول دور سينما تدخل الترجمة الى مصر طالها نفس المصير، وغيرها من دور السينما في مختلف محافظات الجمهورية أليست هذه الدور جزء من ثقافتنا وتراثنا؟ ففي فترة الخمسينات والستينات لعبت السينما دورًا هامًا يتجاوز كونها مكان للعروض الفنية، و مركزًا للإشعاع الثقافي والفكري، بل كانت في بعض الأحيان خشبة مسرح وقاعة غنائية، فقد أدت ام كلثوم حفلًا غنائيًا بسينما ريفولي في ديسمبر 1957، ومنصة للخطب السياسية، خاصة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. هذا يؤكد أن هذه المباني هي جزء من الحضارة المصرية الحديثة التي يجب أن نحافظ عليها كما فعلت دولة روسيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة وغيرهم، فضلًا عن القيمة الفنية والثقافية التي تقدمها السنيمات المصرية، فهناك القيمة الجمالية والمعمارية لا تقل أهمية، فنجد أنها ذات طابع معماري متميز حيث كانت التصميمات الهندسية في دور السينما فقد تم تصميمها على أحدث طراز معماري في هذا الوقت وكان يراعى في تصميمها عوامل التهوية والإضاءة والصوتيات، وعنصر التباعد الاجتماعي الذي أصبح شديد الأهمية في ظل الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم أجمع، وتنوعت التصمميمات بين الدور العادية (المغطاة) والسنيمات الصيفية (المكشوفة) التي اشتهرت في المحافظات الساحلية، فلما لا يتم ضم أهم العناصر الى قائمة الآثار بإعتبار أنها مرت عليها أكثر من مائة عام؟ أو يتم ترميمها والاحتفاظ بها كشاهد على حقبة هامة في تاريخ مصر. فمصر تمتلك 430 دار عرض سينمائي، مقابل تعداد سكانها يزيد عن الـ100 مليون نسمة، وبالمقارنة نجد أن هذا الرقم الهزيل لا يتناسب أبدًا مع حجم السكان، والاحتياج الفعلي لتنمية الوعي ورفع المستوى الثقافي، وسط حالة من عدم الفهم لدى المسؤولين عن أهمية الصرح الهام. الحضارة المصرية لم تقف عند عظمة الفراعنة وانجازاتهم، أو ٣٠ يونيو أهم حدث في تاريخ مصر المعاصر والذي توج بإنطلاق الجمهورية الجديدة التي تبنى على العلم والثقافة والتكنولوجيا فقط، بل سبقت مصر كل دول العالم في القرن ال٢٠ في امتلاكها لعنصر رئيسي من عناصر القوة الناعمة، إذن فلابد من الحفاظ على السينمات لانها تمثل الحضارة الثقافية التي شهدتها مصر في العصر الحديث.