الأطفال وصناعة الرأي العام




في السنوات القليلة الماضية استطاع بعض الأطفال التأثير في العالم وتغيير حساباته للأفضل، على الرغم من صغر سنهم، فإن الأطفال ربما يقدمون على ما يعجز عليه البالغون من أفعال تُنمي الحس والضمير العالمي لضرورة التغيير بما يفيد الإنسانية جمعاء، وسطّر التاريخ، وما زال يُدّون، أمجاداً طفولية غيّرت ملامحه. مؤخرًا انتشر محتوى مرئي لمجموعة من الاطفال الذين يقومون بأعمال تخريبية في قضبان السكك الحديدية في أحد محافظات الصعيد، وقد انتشر هذا الفيديو عبر موقع التواصل فيس بوك بشكل كبير، ما جعلني اتسائل هل استخدام الأطفال في موضوعات الراي العام حادثة عارضة أم متكررة؟! ومع البحث ووجدت أن هناك حالات كثيرة لاستخدام الاطفال للتأثير على الرأي العام، فعل سبيل المثال.. فالسويدية "جريتا تونبرغ" خير اثبات لذلك أصغر ناشطة بيئية في العالم تبلغ من العمر 16 عام والتي شاركت في جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة 74 للحديث عن أهمية التغير المناخي أمام قادة الخمس دول الكبرى اقتصاديًا، وتوجه لهم تساؤلات عن جهودهم في مكافحة التغير المناخي. أيضًا الناشطة الباكستانية مالالا يوسفزي ذات الـ(12 عام)، التي حكت عن معاناة مدينتها تحت حكم المليشيات المسلحة، وعن منعها هي واقرانها من الفتيات من الحصول على حق التعليم عام 2009، وما ترتب ع ذلك من تحركات دولية للدعم والمساندة، انتهاءًا بحصولها عى جائزة نوبل عام 2014، بالإضافة إلي الطفلة اللبنانية التي تبلغ من العمر ما لا يتجاوز خمس سنوات تمت استضافتها في أحد البرامج، تتحدث عن ما أسمته الفساد الاقتصادي في لبنان وتستخدم مصطلحات واحصائيات لا يستوعبها كثير من اقرانها. لم تقتصر صناعة الرأي العام علي هذه الحالات فحسب، فهناك حادث تاريخي يؤكد أن الموضوع قديم حيث نشرت «جامعة أوكسفورد» أن الأطفال في جميع أنحاء بريطانيا تخلوا عن الحلويات والكعك منذ مئات السنين، كجزء من مقاطعة السكر احتجاجاً على العبودية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. كافة هذه الأحدث والمواقف، تدلل علي أن هناك المزيد من الحالات التي يلعب في الاطفال دورًا في توجيه الرأي العام أو نشر أفكار معينة، فمما سبق توضيحه نلاحظ أننا يمكننا الاختلاف على ايجابية أو سلبية بعض الأمثلة لكن جميعنا لا يمكننا سوى التأكيد على فاعلية الأداة وقدرتها على تحقيق قدر من الانتشار، وتحقيق نسب عالية من المشاهدات وبالتالي التأثير. يرجع تفعيل دور هذه الأداة الآن اننا نعيش في عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تتميز بدمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واتاحت تقنيات حديثة سريعة الانتشار وسهله الاستخدام، بالإضافة إلى تنوع مصدر المعلومة فلم يعد التأثير على الاطفال في نطاق الاسرة "المسؤولين القانونيين عنه" ولكن امتد التأثر لما هو خارج هذا الإطار حتى انه امتد ليشمل خارج دولته، فضلًا عن أنه سريع التأثر ويسهل تلقينه على عكس الفئات الاكبر التي يتطلب استخدامها للتأثير جهد أكبر. لذا فالأطفال هم ثرورة حقيقية لتشكيل الرأي العام للدولة، فمصر يصل تعداد من هم أقل من 18 سنة لحوالي 39.2 مليون نسمة، أي ما يزيد عن 39% من إجمالي السكان، فهل يمكننا توجيه هذه الطاقات بما يتناسب مع مسييرة البناء والتطوير ورؤية مصر للتنمية المستدامة التي تتبناها الدولة؟! وذلك لحمايتهم من الانسياق خلف توجهات أو محاولات استغلال سلبية وذلك من خلال استراتيجيات تستهدف تنمية ودمجهم كفئة مؤثرة بما يتناسب مع قدراتهم ومع المتغيرات الحديثة، ويتم تعميم هذه الاستراتيجيات في الحضانات والمدارس الابتدائية وثم المرحلة الثانوية، وخلق شبكات اجتماعية عن طريق مراكز الشباب على مستوى جميع المحافظات، بحيث تكون هذه الاستراتيجية جزء من الاستراتيجية القومية لمكافحة الارهاب، و تعظيم قدرات الاطفال تمهيدًا لاستخدامهم كقوة ناعمة، تكون محركًا هامًا في تحقيق الريادة المصرية داخليًا وعلى مستوى الشرق الاوسط وأفريقيا.